نيوم والحويطات: غربة في حضن الوطن (1)

نيوم والحويطات: غربة في حضن الوطن (1)

نيوم والحويطات: غربة في حضن الوطن (1)
نيوم والحويطات: غربة في حضن الوطن (1)

“عاش الملك: للعَلَم والوطن”.. هذا هو الشطر الأخير في النشيد الوطني السعودي الحالي، وهو على عكس الأناشيد الوطنية السابقة، يبين بوضوح أن الملك بالطبع حياته مهمة لكنها يجب أن تُكرَس هي وجهوده لخدمة الوطن، لحماية العلم، لتقديم كل ما هو أفضل للشعب، واستقراره، للوطن وازدهاره، للإنسانية وحمايتها.

السعودية و الحويطات

وللإنصاف لا يُمكن إنكار الجهود العظيمة التي بذلها ملوك السعودية في العقود الأخيرة، آثارها الإيجابية ملموسة على أرض الواقع، قالوا ما فعلوا، وفعلوا ما قالوا، وأصبحت حياة الملك خدمة للعلم، ومِلكاً للوطن.

لكن يبدو أن بن سلمان يرفض هذا الواقع الجديد، ويريد العودة إلى مبادئ وقيم الأناشيد السابقة، التي كانت دائماً ما تُمجد فكرة “المجد للملك”، والملك وحده، الأرواح تفدي الملك، والملك وحده، حياة الملك مقدمة على مجد الوطن “عاش الملك… عاش الوطن”، ومع تولي والده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الحكم، انقلبت الآية، إذ تنازل الملك بصورة غير رسمية لولده المدلل عن الكلمة والحكمة والقرار، الذي بدوره استغل المنحة أسوأ استغلال، وحول ولايته لمحنة علق بها المواطن، إذ جعل من العلم والوطن والشعب وموارده خداماً له ولطموحاته وأحلام خبرته المراهقة التي يريد بها أن يقود سفينة البلاد.

بن سلمان والحويطات

مع توليه ولاية العهد، جاب الفتى المدلل في البلدان ينعق برؤيته الجديدة للمستقبل، رؤية 2030، وخرج متابهياً للجميع بفكرة “نيوم” زاعماً أنه بها سيحرر المملكة من قيود الماضي، وسيطلق العنان لأمنيات المستقبل المزدهر أن تنطلق لأبعد نقطة متقدمة في العالم، لتجلبها إلى الداخل.

قمع الحويطات

“لم يُكذب الفتى خبراً”، سعى بالفعل لمحاربة الماضي، لكنه -ناسياً أو متناسياً عامداً أو ساهياً- لم يحارب في الماضي سوى التاريخ، سوى الأصل، سوى الجذور، قرر بحسم أن يصنع مستقبل المدينة بتدمير ماضي قبيلة بأكملها، بمحو ذكريات أبناء الحويطات وانتزاع جذورهم من موطن أجدادهم، أن يدفن سيرتهم كي ترى مدينته النور.

عاش الملك للعَلَم، فسرها بن سلمان أن العلم الذي يرمز للملكة، لابد أن يرمز له هو، لابد أن يخدم طموحاته، فاستخدم في ذلك التقدم التكنولوجي باسم البلاد لمراقبة المواطنين، وملاحقاتهم وتعقبهم، فإن وجد أحدهم ضد مخططاته، ويرفض تنفيذ أوامره، أرسل به وراء الشمس، في رحلة من المؤسف قد تكون بلا عودة، وأبناء الحويطات خير دليل على ذلك، إذ يشن ضدهم حملات وحشية من اعتقالات واختطاف طالت حتى النساء، فضلاً عن التهديدات المستمرة التي تجعل أبناء القبيلة مهددون بالإبادة الجماعية والاختفاء جميعاً في أي وقت إن تطلب الأمر.

الحويطات

انجذب بن سلمان أيضاً لمجال الأسلحة والمعدات العسكرية، التي لم يبخل في الإنفاق عليها من أموال الوطن، فقام بتزويد قواته الأمنية بأحدث الأسلحة، التي استخدمها في الداخل في مواجهة أي تجمع معارض، كما حدث مع الحويطات أيضاً، الذين فقدوا أحد أبنائهم -عبد الرحيم الحويطي- في أبريل/نيسان الماضي

عاش الملك للوطن، فسرها بن سلمان أن الوطن وثرواته لابد أن يُسخروا لضمان رفاهيته وترفيهه والترويح عنه. يدعي أنه ينفق على رفاهيته من أمواله الخاصة، متجاهلاً السؤال الأبرز: ومن أين حصلت على هذه الأموال الخاصة؟ فسادك المالي كُتبت فيه كتب ونشرت عنه تحقيقات وتقارير، جميعها تؤكد أن لك، دون رقيب ولا حسيب، كافة الصلاحيات لاستخدام موارد المملكة المالية، لإنفاق المليارات على مشاريعه “الوهمية”، للتباهي بممتلكات يُنفق عليها الملايين بمنتهى السفه مستفزاً مشاعر المواطنين الكادحين الذي حول عيشهم لضنك واضح بعد سياسات التقشف المفروضة عليهم، وأخيراً، يعطي لنفسه الحق في التصرف في أراض الوطن كأنها من موروثاته الملكية، فيأمر بتهجير الحويطات، وتشريدهم، من أجل مدينته -التي لا نراها- ومن يرفض الطاعة، نرسل به إلى جهنم، أو نأتي بجهنم إليه.. أيهما أقرب.

بن سلمان - الويطات - نيوم

المدينة رائعة، كخطة ورؤية وأهداف مخطوطة على الأوراق، لكن هل حقاً هذه الروعة تستحق أن يحارب لأجلها شعبه؟ أن يساومهم على انتمائهم للوطن بتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم؟ أين مصلحة الشعب في هذه الرؤية؟ أين مسؤوليته كحاكم تجاه الحفاظ على أمن المواطنين، وضمان استقرارهم؟ هل مسؤوليته تملي عليه أن تصبح أحلامه المراهقة كوابيساً للمواطنين؟

اقرأ أيضًا: حوار بين ناقة وكلبة (الجزء الثاني)

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً