يمكن القول إن فترة ولاية ترامب كانت أفضل أربع سنوات في فترة حكم محمد بن سلمان -الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية. كان يعلم جيداً، أنه مهما فعل من جرائم وانتهاكات سواء قتل أو قصف أو مقاطعات دبلوماسية، أن رجله في البيت الأبيض سيسانده ويدعمه.

الحقيقة أن ترامب كان يقوم بهذا الدور على أكمل وجه، من حين لآخر كان يخرج على العامة بتصريح مثير للجدل يؤكد به لابن سلمان أنه في صفه، وسيحميه من تداعيات قراراته المتهورة. لم يخش سلمان من هجوم قواته على اليمن وما تسببت به من مجاعة، وكذلك مقتل الصحفي السعودي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، أو زج النساء في السجن لجرأتهن على الإيحاء بأنه ينبغي لهن قيادة السيارة.
بايدن ونيوم
الآن مع تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة أصبح للمشهد حسابات أخرى، حيث أوضح خلال حملته الانتخابية أنه سيعيد النظر مرة أخرى في العلاقات الأمريكية مع المملكة العربية السعودية، وأشار إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تدعم الحرب في اليمن، التي أودت بحياة مئات الآلاف وكارثة إنسانية، ومن المتوقع أيضاً أن يحاول استئناف المحادثات مع إيران، العدو اللدود للسعودية، ليتخذ منحنى مختلف تماماً عن علاقة ترامب بإيران الذي انسحب من الاتفاق النووي الذي وضعه باراك أوباما.

ربما لم يخطر ببال بن سلمان أبدًا أنه ستكون هناك تداعيات من حكومة الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر ببناء مشروع نيوم العملاق على أرض يعيش عليها قبيلة الحويطات لعدة قرون، حيث يسعى إلى طرد 20 ألف منهم لإفساح المجال لمشروعه المثير للجدل.
ومع ذلك، وبالرغم من تصريحات بايدن ضد المملكة، ليس من المتوقع أن يبدأ الرئيس الجديد للولايات المتحدة حقبة جديدة من السلام والعدالة في الشرق الأوسط، فهو من أشد المؤيدين لإسرائيل، بل كان أكثر مؤيدي الحزب الديمقراطي المتحمسين لـ “الحرب على الإرهاب” في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في الواقع، بدون بايدن ، لم تكن الحرب على العراق لتحدث على الإطلاق.
تشير روايات المطلعين إلى أن بايدن كان “الصقر” أثناء توليه منصب نائب الرئيس في ولاية باراك أوباما، وغالبًا ما كان يسعى إلى شن هجمات عسكرية كوسيلة لفرض سلطة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط وما وراءه، مع ذلك عليه أن يميز نفسه عن سلفه وأن يحتفظ بقاعدته، وهي القاعدة التي تحتقر شمولية محمد بن سلمان ونظامه.
اللافت للنظر، ورغم تضمين عدد من القضايا المهمة المتعلقة بالسعودية في خطابات بايدن، لم يتحدث بايدن عن مشروع نيوم بصورة رئيسية، ومع ذلك يجب أن يكون محمد بن سلمان حذراً من أن الرحلة المجانية التي قدمها ترامب قد تكون على وشك الانتهاء. إذ هل سيجعل بايدن الأمر أكثر صعوبة على محمد بن سلمان لكسب المستثمرين الدوليين إلى نيوم؟ هل سيصبح النظام أكثر وحشية حتى إذا قام رئيس حليفه الرئيسي، الولايات المتحدة، بتخفيض علاقاته مع المملكة؟
الآن هو الوقت المناسب للمدافعين عن حقوق الإنسان للتأكد من أن المطالب المتعلقة بوقف الانتهاكات المصاحبة لنيوم على أجندة أولويات الرئاسة الأمريكية.
مشروع نيوم حتى الآن ليس أكثر من مجرد سلسلة من الإعلانات المبالغ فيها – بخلاف المضايقات الحقيقية التي يتعرض لها قبيلة الحويطات لأنهم أجبروا على ترك أرضهم لجعلها حقيقة واقعة، لذلك يجب جعل رئاسة بايدن تشعر بمستوى الغضب من هذه الانتهاكات، وألا يسير على نفس خطى ترامب فيما يتعلق بمنح ضوءً أخضر لابن سلمان في أن يفعل ما يشاء دون رقيب ولا حسيب.
اقرأ أيضًا: نيوم.. أراض سعودية بشراكة إسرائيلية وإدارة أجنبية