المدينة الضخمة، مدينة الحالمين، رائدة الأعمال والمشاريع التجارية، مدينة خالية من الكربون ذات ديناصورات وروبوتات آلية وسيارات طائرة وشواطئ مضيئة، وأقمار اصطناعية، بنيتها التحتية تُدار بالذكاء الصناعي… هكذا وعد النظام السعودي أن تصبح مدينته “نيوم” التي تبلغ تكلفة انشائها 500 مليار دولار.
لقد وعد أن تكون المدينة أشياء كثيرة، أن تصبح أكبر من جارتها: إسرائيل، أن تصبح مركزاً لأشهر الرياضات الدولية ودوريات ألعاب الفيديو والمحميات الطبيعية والطاقة الخضراء.
كانت هذه الوعود كفيلة لأن تجعل المشروع يتصدر عناوين الصحف العالمية، بعناوين جذابة بدت وكأنها تتناسب مع صورة دولة غنية للغاية في ظل الإدارة الجديدة للحاكم الفعلي الشاب-ولي العهد السعودي: محمد بن سلمان، بغض النظر عن منطقية تنفيذ تلك الوعود، إذ هل من الممكن حقاً بناء وتطوير منطقة ضخمة في أقل من عقد من الزمان؟

مع هذا، استبشر المتابعون خيراً، وأعطوا الأمير الشاب فرصة لتنفيذ أكبر مشاريع رؤيته الاستراتيجية 2030، لكن الواقع أثبت عكس ذلك، فبعد ثلاث سنوات من الإعلان عن المشروع… لا زالت صحراء لا تحتوي إلا على دماء أبنائها المهجرين.
تم الإعلان عن نيوم في أكتوبر/تشرين الأول 2017، لتصبح هي أبرز مشاريع رؤية 2030 لمحمد بن سلمان – وهي محاولة من قبل المملكة لتنويع اقتصادها بدلاً من الاعتماد الكلي على انتاج النفط- من المقرر أن تُفتتح بحلول 2025.
حتى الآن، يوجد بالمدينة مطار وقصر وعدد قليل من الفنادق، بل إن الدعاية الخاصة بالمدينة لا تظهر وجود أي من تلك المشاريع المتطورة، على العكس، لا تُظهر سوى صور عامة للكثبان الرملية بجودة عالية.
ليس غريباً ألا يحرز المشروع أي تقدم حتى الآن، إذ تعرض لعدد من الانتكاسات التي حالت بينه وبين تنفيذ وعود بن سلمان. كانت النكسة الأولى للمشروع هي مقتل الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي على يد النظام السعودي في القنصلية السعودية بإسطنبول، حيث جعلت هذه الحادثة البشعة محمد بن سلمان “منبوذًا دوليًا”، وخلقت لدى المستثمرين الأجانب حالة من العزوف عن الاستثمار في المملكة.
بالإضافة إلى ذلك انسحب عدد من المستثمرين من المشروع وتراجعوا عن صفقات الشراكة معه، بعد الهجوم الشعبي الضخم على إدارات تلك الشركات العالمية انتقاداً لها على العمل مع نظام صاحب سجل دموي وسيء فيما يتعلق بحقوق الإنسان
انخفاض أسعار النفط، بسبب جائحة كورونا، كان له تأثير كبير على المشروع أيضاً، إذ تم تخفيض الإنفاق العام في المملكة العربية السعودية بشكل كبير، وعلى الرغم من أن هذا لم يمنع بن سلمان من الانفاق على مشاريعه، إلا أن حالة الركود العام لاقتصاد الدولة كان يجب أن تؤثر على هذه المشاريع.
ومع كل هذه الإخفاقات، كان يجب للنظام أن يبحث عن منفذ لحفظ ماء وجهه وللتأكيد على أهمية المشروع، لذلك قرر تحويل المدينة لمركز للسياسات الدولية، فبدأ النظام في عقد اجتماعاته هناك، وكانت نيوم وجهة الملك سلمان للنقاهة حين كان مريضاً، كما استضافت المدينة اجتماعاً سرياً مع رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
تصدرت نيوم الأخبار أيضاً باعتبارها مركزاً للتطبيع، حيث تمت مناقشة خطط واتفاقيات وأهمية التطبيع مع إسرائيل هناك، إذ عُقدت اجتماعات هناك بين شخصيات سعودية وأمريكية وإسرائيلية.

محاولات محمد بن سلمان لإعادة نيوم إلى دائرة الضوء لم تتوقف، إذ أعلن في يناير/كانون الثاني الحالي عن مدينة “ذا لاين”، وهي مدينة داخلية ضمن مشروع نيوم تمتد بطول 170 كيلومترًا، محاولاً بذلك لفت أنظار المستثمرين عن طريق الضجة التي أثارها المشروع في الصحافة العالمية، حيث وعد بالحفاظ على 95٪ من الطبيعة في بنائها – على الرغم من أن القليل من الصحفيين يتساءلون كيف سيكون ذلك ممكنًا، لأنها ستُبنى بين سلسلة من الجبال.
ادعى بن سلمان أيضاً أنها ستحتوي على نوع من نظام النقل الجماعي لنقل الناس بين أي نقطتين في المدينة في أقل من 20 دقيقة، لكن تجربة الناس مع وعود السيارات الطائرة والتحكم في الطقس، لا يبدو أن وعود “ذا لاين” لها صلة بالواقع أيضاً.
إن العروض التقديمية المستمرة والمواقع عالية الجودة وشركات العلاقات العامة ذات الأجور المرتفعة تجعل من نيوم و”ذا لاين” مشروعان مبنيان، بالمعنى الحرفي والمجازي، على الرمال.
وبما أنه يتم تحويل الإنفاق على تلك المشاريع -التي ربما تكون مستحيلة- من أموال المملكة، التي هي في الأصل أموال الشعب، فإن السؤال هو – ماذا سيحدث إذا لم تتحقق تلك الوعود؟ هل سيفكر محمد بن سلمان في عذر جيد؟ هل ستتعرض العلامة التجارية السعودية لمزيد من الإخفاقات والفشل؟ من الذي سيرغب في الاستثمار في أحد المشاريع -غير الواقعية- لمحمد بن سلمان بعد ذلك؟
حتى تبدأ نيوم والمشاريع المرتبطة بها بالظهور في العالم الحقيقي، يبدو أننا على موعد من تدفق جديد للوعود الفارغة ودعوات الاستثمار… يبقى أن نرى ماذا يحدث لمحمد بن سلمان عندما تفشل مساعيه بصورة نهائية.
اقرأ المزيد : https://neomm.co/ar/2021/01/24/%d9%86%d9%8a%d9%88%d9%85-%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%aa%d8%ae%d8%af%d9%85-%d8%a7%d8%aa%d9%81%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d9%85%d8%b9-%d8%af/