بين الدم والنفط: أفلام الكرتون متقنة الحبكة أكثر من نيوم

بين الدم والنفط: أفلام الكرتون متقنة الحبكة أكثر من نيوم

بين الدم والنفط: أفلام الكرتون متقنة الحبكة أكثر من نيوم
بين الدم والنفط: أفلام الكرتون متقنة الحبكة أكثر من نيوم

في سبتمبر/أيلول الماضي قام الكاتبان الأمريكيان برادلي هوب وجاستن شيك بإصدار كتاب الدم والنفط، الذي تناول سيرة محمد بن سلمان مذ كان طفلاً مع التركيز على العوامل والظروف التي ساهمت في تكوين شخصيته وكان لها سبباً كبيراً في أن يصبح الشخص الذي هو عليه الآن.

الكاتبان قاما كذلك بتحليل قرارات بن سلمان المتعلقة بإدارة شؤون البلاد، لاسيما الاقتصادية منها والخاصة بالمشاريع الجديدة وخططته لتطوير المستقبل وتنويع مصادر الدخل.

مشروع نيوم الفاشل

خلال هذه الرحلة التحليلية، كان لمشروع نيوم نصيب كبير، والذي -بكل أسف- تنبأ الكتاب له بالفشل نظراً لوجود العديد من العراقيل التي أخفق بن سلمان في التعامل معها أو تذليلها بسبب قلة خبرته ورعونته في التعامل مع هكذا أمور -كما ذكر الكتاب.

بين الدم والنفط: أفلام الكرتون متقنة الحبكة أكثر من نيوم

ورغم تحدث الكتاب عن الفشل المحدق بنيوم، استمر ولي العهد في نهجه الذي بدأ به المشروع، نهج الغرور والغطرسة، والاسراف في الانفاق مع عدم ترتيب الأولويات خاصة بعد جائحة كورونا التي ضربت العالم كله، وأثرت على الوضع الاقتصادي في كافة الدول، وبطبيعة الحال كانت السعودية من البلدان التي تضرر اقتصادها الذي لم يجد حتى الآن سوى النفط كمصدر أساسي له، والجميع يعلم أن النفط من أكثر السلع التي قل الطلب عليها وبالتالي انخفض أسعارها، وبالتالي، تكبد الاقتصاد السعودي خسائر تسببت في أزمة مالية في البلاد، لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث.

تم الإعلان عن نيوم لأول مرة في 2017، خلال مؤتمر “دافوس الصحراء” الاقتصادي والذي حضره شخصيات اقتصادية بارزة ورجال أعمال ومستثمرين أجانب، الذين كانوا متحفزين للمشاركة في المشروع الجديد لابن سلمان طمعاً في الأرباح التي سيقومون بجنيها من ورائه بسبب الوعود البراقة التي صاحبت المشروع الذي سيقام على مساحة 26.5 ألف كيلو من الصحراء بتكلفة تبلغ 500 مليار دولار- وهي تكلفة كبيرة نسبياً بالنسبة للمعايير السعودية، رفض بن سلمان تخفيضها رغم الواقع الاقتصادي المرير الذي تعاني منه المملكة.

ضمن الوعود التي ما فتئ الأمير الشاب يرددها، كان الحديث عن التطورات التي ستطرأ على الطب داخل المراكز البحثية في تلك المدينة، والتي ستجعل سكان نيوم يعيشون لفترة أطول بكثير من أي شخص في التاريخ ستصل إلى مئات السنين، وهو الوعد الذي أثار تساؤلات من نوع آخر، حيث قال أحد حضور المؤتمر: هل يعتقد بن سلمان أنه سيظل حاكماً للمملكة حتى يبلغ المئات من عمره! هل أقوى رجل في الشرق الأوسط -كما يُروج له- يفكر بهذه الطريقة!

بماذا اعترف محمد بن سلمان في لقاء خاص مع مسؤولي الشركات الكبرى؟

في الواقع، فإن “دافوس الصحراء” كان شاهداً على ضرب من ضروب الرعونة التي تميز بها بن سلمان، إذ تحدث خلاله عن مشاريع غير واقعية بالمرة -مقارنة بإمكانياته-، حيث تحدث عن بناء متاحف وساحات عرض في نموذج يشبه المركبة الفضائية، مع مجمع بقيمة 55 مليون دولار (41 مليون جنيه إسترليني) يستضيف فيه مسابقة ملكة جمال الجمال السنوية- وهي المفضلة لديه، وبالطبع كما ذُكر أعلاه، بداية ذكر نيوم كان في هذا المؤتمر الذي أكد خلاله أنها ستكون مدعومة بالكامل بطاقة الرياح والطاقة الشمسية لتكون مدينة صديقة للبيئة تحتوي على رمال مضيئة وينتشر بها الروبوتات والسيارات الطائرة.

لطالما عُرف عن مشروع نيوم أنه “الحيوان الأليف المفضل” لابن سلمان، أو ربما “الابن المدلل”، لم يتصرف أبداً باعتبار نيوم أحد المشاريع الاقتصادية وحسب، بل كان يريد به أن يغذي مشاعره “النرجسية”، ويرسخ في نفوس منافسيه أنه الأقوى والأفضل والأقدر على الريادة.

مع بداية الإعلان عن المشروع، قام بن سلمان باستدعاء عدد من كبار الشخصيات -بعضهم من معتقلي ريتز السابقين – لمقابلته داخل يخت في سيرين الذي قام بإرسائه قبالة الساحل الذي كان يأمل أن يكون يومًا ما نيوم، وهناك أشار بحماس إلى جزيرة تيران متحدثاً عن أحلامه في أن تمتلئ هذه المنطقة بالروبوتات.

يبدو أن اختيار جزيرة تيران تحديداً كان له دلالة أيضاً، فقبل عام من تلك الزيارة، تنازل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير -على ما لهما من أهمية استراتيجية- للسعودية، في صفقة لم يكن الهدف منها سوى كسب تأييد بن سلمان له ضد قمعه لشعبه في مصر، وفي المقابل، يحصل بن سلمان على الدعم الإسرائيلي بعد أن يمكن إسرائيل من الجزيرتين -اللتان تسعى للاستحواذ عليهما بأي ثمن- بذريعة الاستثمار التجاري.

عام تلاه العام وبن سلمان لم يتمكن من تحقيق أي من الوعود التي ملأ بها الأرض متحدثاً عن تطوير المستقبل وتنمية الحاضر والتخلص من ظلام الماضي، في كل مرة كانت هناك عقبة جديدة يصطدم بها الأمير صاحب الأحلام المراهقة، ومع تراكم العقبات، التي لم يتعامل مع بن سلمان سوى بالتجاهل، وصلنا إلى العام 2020 دون تحقيق شيء يُذكر.

مع بداية العام الماضي انهارت كل خطط بن سلمان، من جهة كانت كورونا التي بسببها لجأ مليارات الأشخاص إلى منازلهم بسببها خاصة مع انهيار الأنظمة الطبية أمامها، ومن جهة فشل بن سلمان في إدارة حرب النفط التي نشبت بينه وبين روسيا في ظل اقتصاد عالمي يرتجف من توالي الأزمات بسبب انخفاض حركة الطلب، وقد كلفه هذا الفشل مليارات الدولارات، قبل أن يحاول تسويتها في نهاية العام.

لم يُحسن بن سلمان التعامل مع الأزمات التي ضربت بلاده خلال الأشهر الأخيرة، اعتمد فقط على إرهاب الناس بأضرار ومخاطر كورونا في محاولة لدفعهم إلى المنازل منشغلين بالجائحة التي قد تخطف أرواحهم، وهي في نظره فرصة مثالية لضمان عدم تعرضه للمساءلة عن أي من المشاكل التي أغرق بها البلاد، ليستمر في إدارة البلاد وهو خالي الوفاض سوى من الغطرسة والغرور اللذان يدفعانه إلى التمسك بمشاريعه وأوهامه التي يحاول إقناع الجميع أنها أحلام حقيقية ممكنة التحقيق.

هناك فرق بين الرغبة في التقدم الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، وبين أن تمتلك العقلية الاقتصادية التي تعينك على تنفيذ أحلامك ومشاريعك، وهي العقلية التي أثبت بن سلمان افتقاره إليها. 

لا أحد يحارب النجاح، لكن لا يمكن أن ندعم مشاريع ذات أساسات من الوهم لمجرد أنها أُعلنت بأحاديث براقة وأفكار قيمة خاصة مع عدم تحقق أي منها حتى الآن.

من غير المنطقي أن ندعم الفشل كما لا يمكن أن نتذرع بالعوامل البيئية كحجة لتبرير الفشل أو تأخر النجاح، فمشروع كهذا كان على الحكومة ألا تبدأ فيه دون تخطيط جيد وترتيب مسبق للتعامل مع الكوارث الطبيعية والبيئية، دون أن تعد العدة للمصائب، وإلا ما الذي يؤهلك للقيادة والريادة وحمل الراية؟

حتى أبطال أفلام “الكرتون” يلتزمون بمنهج وخطة محكمة لإنهاء مهمتهم أو تحقيق حلمهم، لكن على ما يبدو أنه بخل على حلمه بالوقت الكافي لوضع خطة منطقية للتمكن من تحقيقه، لهذا من المنطقي جداً أن نعتبر مشروع نيوم أكبر دليل على فشل بن سلمان في التخطيط.

اقرأ أيضًا: بن سلمان يبيع المملكة لتمويل مشاريع قد لا تتحقق أبداً

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً