بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة، برزت مواقف الدول الإقليمية والدولية في التعامل مع الأزمة، لتكشف عن أدوارها الحقيقية في المشهد السياسي. لكن بالنسبة للسعودية، كان الموقف أشبه بظل باهت لما كانت عليه من قبل، حيث أظهرت التصريحات الدبلوماسية الضعيفة والتناقضات في الأداء أن المملكة في عهد محمد بن سلمان فقدت مكانتها الإقليمية والدولية. لم تعد السعودية قوة مركزية في العالم العربي أو تُحدث تأثيرًا عالميًا، بل أصبحت كيانًا هامشيًا تابعًا للإملاءات الأمريكية دون إرادة مستقلة.
دبلوماسية التصريحات الفقيرة دون تأثير حقيقي
طوال أزمة غزة الأخيرة، اقتصر دور السعودية على التصريحات التي دعت إلى ضبط النفس ووقف العدوان الإسرائيلي، دون اتخاذ أي خطوات فعلية تعزز من هذه المواقف. غابت المبادرات الدبلوماسية الفاعلة، وغابت عنها حتى البيانات القوية التي كان يُمكن أن تضع المملكة في موقع القيادة.
في السابق، كانت السعودية تُعتبر من أبرز القوى التي يُمكنها التأثير في القضية الفلسطينية، لكن في عهد محمد بن سلمان، أصبح الخطاب السعودي مجرد صدى للسياسات الأمريكية، دون أن يحمل أي جديد. هذا التراجع طرح تساؤلات حول سبب هذا الانحدار، خاصة وأن المملكة تمتلك الموارد الاقتصادية التي يُمكن أن تعزز من نفوذها لو أُديرت بذكاء.
اقتصاد ضخم، تأثير معدوم
رغم الثروة النفطية الهائلة والمليارات التي تنفقها السعودية على تحسين صورتها عالميًا، فشلت المملكة في تحقيق أي إنجاز اقتصادي يُذكر على الصعيد الدولي. السياسات الاقتصادية في عهد محمد بن سلمان ارتكزت على مشاريع استعراضية كمشروع نيوم، لكنها لم تحقق أهدافها في تنويع مصادر الدخل أو جذب الاستثمارات الحقيقية.
في الوقت نفسه، ابتلعت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من خلال صفقات أسلحة ضخمة لم تسهم في تحقيق أي تفوق عسكري للسعودية. على الرغم من إنفاق السعودية أكثر من 100 مليار دولار على صفقات الأسلحة خلال العقد الماضي، لم تتمكن من تحقيق إنجاز عسكري يُذكر على أي جبهة، سواء في اليمن أو في مواجهات أخرى.
عسكرة بلا إنجازات وشراكات بلا جدوى
منذ بداية عهد محمد بن سلمان، كانت السياسة الدفاعية السعودية تعتمد بشكل أساسي على شراء الأسلحة الحديثة من الولايات المتحدة والدول الغربية، لكن هذه الترسانة لم تحقق أي إنجاز على الأرض. في حرب اليمن، على سبيل المثال، تكبدت السعودية خسائر كبيرة دون أن تحقق أهدافها، مما عكس ضعف التخطيط الاستراتيجي واعتماد المملكة الكامل على الدعم الأجنبي.
الشراكات الدولية التي روّج لها النظام السعودي كإنجازات كبرى، مثل تعاونه مع شركات تقنية وعسكرية، لم تسفر عن أي تغيير جذري في مكانة المملكة. بدلًا من ذلك، أصبحت السعودية أداة تُستخدم لتحقيق مصالح الدول الكبرى، دون أن تحقق هي نفسها أي مكاسب ملموسة.
فقدان البوصلة الثقافية والدبلوماسية
لم يكن الاقتصاد والعسكر فقط ما شهد تراجعًا، بل أيضًا الدور الثقافي والدبلوماسي للمملكة. في السابق، كانت السعودية تُعتبر قبلة للعالم الإسلامي ومصدرًا للقوة الناعمة التي تؤثر على ملايين المسلمين حول العالم. لكن في عهد محمد بن سلمان، تراجع هذا الدور بشكل ملحوظ بسبب سياسات الترفيه التي أثارت استياء الكثيرين من داخل المملكة وخارجها.
على المستوى الدبلوماسي، تحولت السعودية من لاعب أساسي في حل الأزمات الإقليمية إلى متفرج يكتفي بمتابعة ما يجري دون أي تأثير يُذكر. حتى في القضية الفلسطينية، التي كانت دائمًا محور السياسة الخارجية السعودية، لم تعد المملكة تمتلك ذلك الثقل الذي يسمح لها بفرض أجندتها أو قيادة المواقف العربية.
في ظل حكم محمد بن سلمان، خسرت السعودية مكانتها كقوة إقليمية ودولية مؤثرة، وأصبحت كيانًا تابعًا لإملاءات الولايات المتحدة دون إرادة مستقلة. السياسات الاقتصادية الفاشلة، التبعية العسكرية، غياب الدور الثقافي، والافتقار إلى دبلوماسية فعّالة، كلها عوامل جعلت المملكة تبدو وكأنها تبتعد عن أدوارها التاريخية، لتتحول إلى دولة هامشية بلا تأثير يُذكر.
إذا استمر هذا النهج، فإن السعودية تخاطر بفقدان المزيد من مكانتها، ليس فقط في العالم العربي، ولكن أيضًا على الساحة الدولية. الشعوب لا تنسى، والتاريخ لا يرحم، ومهما كانت الأموال التي تُنفق لتحسين الصورة، فإن الحقيقة تبقى واضحة: المملكة في عهد محمد بن سلمان تسير إلى الخلف بسرعة كبيرة في طريق مليء بالأوهام.