في خطوة تهدف إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية عالميًا، تستضيف المملكة العربية السعودية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي مؤتمر “العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة”، حيث تسعى الرياض لتقديم نفسها كقوة اقتصادية صاعدة في المنطقة. يأتي هذا الحدث في وقت يواجه فيه الاقتصاد السعودي تحديات خطيرة، بعد أن خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو المملكة، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذه المؤتمرات وما إذا كانت محاولة أخرى لتحسين صورة النظام السعودي عالميًا دون تحقيق نتائج فعلية.
خفض توقعات النمو: الواقع الاقتصادي يفضح الدعاية الرسمية
وفقًا لآخر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، تم خفض توقعات النمو الاقتصادي للسعودية في عام 2024، بسبب التراجع الحاد في الإيرادات النفطية، وزيادة العجز في الميزانية، وعدم تحقيق استثمارات رؤية 2030 للأهداف المرجوة. على الرغم من وعود ولي العهد محمد بن سلمان بتحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد متنوع ومستدام، إلا أن الأرقام الأخيرة تفضح الفجوة بين الخطط المعلنة والواقع الفعلي.
رؤية 2030.. مشاريع وهمية و عجز متزايد
عند الإعلان عن رؤية 2030، وعد بن سلمان بخلق اقتصاد متنوع يقوم على التكنولوجيا، والسياحة، والابتكار، لكن بعد ثماني سنوات من إطلاق الخطة، لم تتحقق النتائج المرجوة. بدلاً من أن تكون المملكة مركزًا للاستثمار العالمي، أصبحت تعاني من هروب رأس المال الأجنبي، وفشل المشاريع الكبرى، وعجز في الميزانية يزداد عامًا بعد عام.
بحسب تقرير لمجلة بلومبيرغ، فإن العديد من المشاريع التي تم الترويج لها ضمن رؤية 2030، مثل نيوم، والقدية، وذا لاين، لا تزال تعاني من مشاكل تمويلية وتأخيرات في التنفيذ، مع غياب واضح للعوائد الاقتصادية الفعلية.
يقول الخبير الاقتصادي جون بيترسون، المحلل في شؤون الأسواق الناشئة:
“المملكة تنفق مليارات الدولارات على مشاريع ضخمة بلا عائد حقيقي، في الوقت الذي ترتفع فيه مستويات البطالة بين الشباب، ويتم فرض ضرائب ورسوم جديدة على المواطنين لتعويض العجز المتزايد في الميزانية.”
مؤتمرات خادعة لتحسين صورة النظام
مؤتمر العلا ليس الأول من نوعه، فقد سبقته قمم استثمارية ومؤتمرات اقتصادية أقيمت في السعودية بهدف إعادة تقديم النظام السعودي كمركز عالمي للاستثمار والاقتصاد. لكن معظم هذه الفعاليات لم تحقق أي أثر ملموس، حيث يرى مراقبون أنها مجرد حملات علاقات عامة تهدف إلى إخفاء الانتهاكات الحقوقية، والتغطية على الفشل الاقتصادي المتكرر.
الأوضاع الاقتصادية المتردية وتفاقم الأعباء المعيشية
في ظل التراجع الحاد في أسعار النفط العالمية، تواجه السعودية أزمة اقتصادية خانقة أثرت بشكل مباشر على حياة المواطنين. فمع اعتماد الاقتصاد السعودي بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية، تسبب انخفاض الأسعار في ارتفاع العجز المالي، وزيادة الديون، ودفع الحكومة إلى فرض إجراءات تقشفية صارمة. ومن بين هذه الإجراءات، رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، والتي ضاعفت الأعباء على المواطنين، وزادت من تكلفة المعيشة بشكل كبير.
ويعاني المواطن السعودي اليوم من تآكل القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتجميد بعض المشاريع التنموية التي كان من المفترض أن تحسن جودة الحياة. ورغم ادعاءات الحكومة بأن هذه السياسات تهدف إلى تحقيق “الاستدامة المالية”، فإن الواقع يظهر زيادة معدلات البطالة، وغياب الاستثمارات المحلية المنتجة، وارتفاع تكاليف الحياة اليومية، مما جعل الكثيرين يشككون في جدوى رؤية 2030 وقدرتها على خلق اقتصاد مستدام بعيدًا عن النفط.
ترويج الاستثمار وسط القمع والانتهاكات الحقوقية
في الوقت الذي يسعى فيه محمد بن سلمان إلى تقديم السعودية كوجهة استثمارية عالمية، يواجه نظامه انتقادات دولية حادة بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. فبينما يستضيف مؤتمرات اقتصادية ضخمة لجذب المستثمرين، تستمر حملات الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، وإصدار أحكام الإعدام بحق النشطاء والمعارضين، مما يخلق بيئة استثمارية غير مستقرة وغير آمنة.
تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش أكد أن النظام السعودي “يستخدم الاستثمارات والمشاريع العملاقة كغطاء لتبييض سمعته، بينما تستمر الانتهاكات دون محاسبة”. وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي ديفيد هيرست:
“الاستثمار يحتاج إلى استقرار قانوني وشفافية، لكن في السعودية، يمكن لأي مستثمر أو رجل أعمال أن يجد نفسه خلف القضبان إذا اختلف مع رؤية النظام. كيف يمكن إقناع الشركات العالمية بالاستثمار في بيئة لا تحترم حتى حقوق مواطنيها؟”
هذه المفارقة الصارخة بين الدعاية الاستثمارية والقمع المتزايد تجعل السعودية وجهة محفوفة بالمخاطر، حيث يدرك المستثمرون أن مناخ الأعمال لا يمكن أن يزدهر في ظل سياسات بوليسية تكمم الأفواه وتسحق أي معارضة، مما يجعل كل هذه المؤتمرات مجرد عروض دعائية بلا تأثير اقتصادي حقيقي.
هل تنجح الدعاية في إخفاء الفشل؟
بينما تستعد السعودية لإطلاق مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة، تظل الحقيقة واضحة: الاقتصاد السعودي يعاني، ورؤية 2030 لم تحقق أهدافها، والعجز المالي مستمر، والانتهاكات الحقوقية تضر بسمعة المملكة عالميًا.
يمكن لبن سلمان تنظيم المزيد من المؤتمرات البراقة، والترويج لمشاريع عملاقة، واستضافة الشخصيات العالمية، لكن ذلك لن يغير من الواقع القاتم، حيث لا تزال السعودية غير قادرة على تحقيق تحول اقتصادي حقيقي بعيدًا عن النفط، ولا تزال تعاني من تبعات سياسات قمعية تهدد مستقبلها الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل.
في النهاية، يبقى السؤال: هل ستستمر السعودية في بيع الأوهام عبر المؤتمرات، أم ستواجه الواقع وتتخذ خطوات جادة لإنقاذ اقتصادها المنهار؟