السعودية في مواجهة “لعنة النفط الرخيص”.. هل تنهار خطط 2030؟
مع الحديث عن قرب إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية إثر المباحثات الجارية بالمملكة العربية السعودية، تتجه أنظار العالم نحو أسواق الطاقة العالمية، حيث يتوقع الخبراء أن يؤدي هذا التطور إلى انخفاض كبير في أسعار النفط. فبعد عامين من الصراع الذي عزز الطلب على النفط السعودي ورفع الأسعار إلى مستويات قياسية، يبدو أن المملكة مقبلة على تحدٍّ اقتصادي كبير إذا ما تحققت هذه التوقعات.
ورغم الاحتفاء الإعلامي السعودي بكون الرياض مركزًا لهذه المباحثات، إلا أن الواقع الاقتصادي قد لا يكون بهذه الإيجابية. فالسعودية، التي استغلت فترة الحرب لتعزيز إيراداتها النفطية وتحقيق فوائض مالية، قد تجد نفسها الآن أمام سيناريو اقتصادي صعب، حيث يتراجع الطلب العالمي على النفط، ويزداد المعروض مع عودة النفط الروسي للأسواق، مما يعني تراجع العوائد النفطية وضغوطًا على الميزانية السعودية.
“سلاح النفط”.. كيف استفادت السعودية من الحرب؟
لا يمكن إنكار أن السعودية كانت من أكبر المستفيدين اقتصاديًا من الحرب الروسية الأوكرانية. فمنذ اندلاع الصراع، ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات تخطت 100 دولار للبرميل، مما وفّر للمملكة إيرادات ضخمة ساعدتها على تحقيق فوائض مالية لأول مرة منذ سنوات. هذه الفوائض مكّنت الرياض من الاستمرار في مشاريعها الطموحة ضمن “رؤية 2030”، وضخت مليارات الدولارات في مشروعات كبرى مثل نيوم، والتوسع في خطط التنويع الاقتصادي.
لكن هذا الوضع لم يكن مستدامًا. فبمجرد إعلان بوادر لإنهاء الحرب، بدأت أسعار النفط في التراجع، مما يطرح تساؤلات حول قدرة السعودية على تحمل تبعات هذه المتغيرات. فمع رفع العقوبات تدريجيًا عن روسيا وعودتها كمصدر رئيسي للطاقة، تتجه الأسواق نحو فائض في المعروض، وهو ما يهدد بعودة الأسعار إلى مستويات أقل من 70 دولارًا للبرميل.
هل تنهار الميزانية السعودية مع انخفاض النفط؟
على الرغم من وعود ولي العهد محمد بن سلمان بتنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على النفط، إلا أن الحقائق الاقتصادية تقول العكس. فالمملكة لا تزال رهينة أسعار النفط، حيث تعتمد الميزانية العامة بشكل أساسي على العوائد النفطية. وتشير التقديرات إلى أن السعودية تحتاج سعرًا لا يقل عن 80 دولارًا للبرميل لتحقيق التعادل في الميزانية، فيما تحتاج لأكثر من 96 دولارًا لضمان تنفيذ خططها الطموحة، ومع انخفاض الأسعار فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى عودة العجز المالي، مما سيجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات تقشفية، تشمل خفض الإنفاق الحكومي، تأجيل بعض مشاريع رؤية 2030، وربما اللجوء إلى فرض ضرائب جديدة أو رفع الدعم عن الطاقة.
هل ستتكرر أزمة 2016؟
التاريخ يعيد نفسه.. ففي عام 2014-2016، انهارت أسعار النفط إلى مستويات متدنية، وسجلت السعودية عجزًا ماليًا تجاوز 15% من الناتج المحلي، مما اضطرها إلى السحب من الاحتياطيات الأجنبية والاقتراض لسد العجز . حينها، نفلة من الإصلاحات المالية المؤلمة، شملت تقليص الدعم وزيادة أسعار الطاقة والضرائب، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة للمواطنين وزيادة الضغوط الاجتماعية.
واليوم، ومع احتمال عودة الأسعار إلى مستويات منخفضة، فإن السيناريو نفسه قد يتكرر، خاصة أن الرياض تعتمد على النفط في تمويل خططها العملاقة. بل إن مشروع نيوم وحده يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات، وإذا لم تكن هناك إيرادات نفطية كافية، فقد تضطر الحكومة إلى إعادة جدولة المشاريع أو إبطائها، مما يعكس فشل الرهان على الاقتصاد غير النفطي حتى الآن .
هل تلجأ السعودية إلى الديون؟
منذ عام 2016، تضاعف الدين العام السعودي عدة مرات، حيث لجأت المملكة إلى إصدار سندات ديون لتغطية العجز المالي. ومع انخفاض أسعار النفط المتوقعة، قد تجد الرياض نفسها مضطرة إلى رفع معدلات الاقتراض، مما يزيد من أعباء خدمة الدين ويضعف القدرة المالية على تمويل المشاريع المستقبلية.
كما أن الاحتياطيات الأجنبية قد تتعرض لضغوط كبيرة إذا اضطرت الحكومة إلى السحب منها لتعويض العجز. وخلال أزمة 2016، انخفضت هذه الاحتياطيات بنحو 20% خلال عام واحد، مما أدى إلى مخاوف بشأن الاستقرار المالي .
هل السعودية مستعدة للمستقبل؟
لا شك أن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بالنسبة للسعودية، يمثل تحديًا خطيرًا قد يعصف بميزانيتها ويعطل مشاريعها الكبرى. المملكة التي استغلت الحرب لجني أرباح استثنائية، قد تجد نفسها الآن أمام واقع جديد، حيث يعود النفط الرخيص، وتبدأ مرحلة جديدة من العجز المالي والضغوط الاقتصادية.
السؤال الأهم: هل تستطيع السعودية تحمل صدمة انخفاض أسعار النفط؟ أم أن مشاريعها الطموحة ستبدأ في الانهيار مع انحسار الإيرادات النفطية؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف عن ذلك، لكن المؤكد أن الاقتصاد السعودي ما زال هشًا أمام تقلبات النفط، وأن رؤية 2030 قد تكون أقرب إلى السراب منها إلى الواقع.