شهدت أعمال الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، ظهورًا مثيرًا للجدل للمملكة العربية السعودية، التي قدم وفدها الرسمي رسائل متناقضة بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان، وسط محاولات مستمرة لتجميل صورتها الدولية رغم الانتقادات المتزايدة.
ففي الوقت الذي سعى فيه الوفد السعودي إلى إظهار التزام المملكة بحماية حقوق الطفل ومكافحة العنف، نقل متعب المخلفي، عضو الوفد السعودي، أمام المجلس، تصريحات رسمية تؤكد أن المملكة تضمن بيئة آمنة للأطفال، وتولي اهتمامًا كبيرًا بحمايتهم من كافة أشكال الإساءة، مشيرًا إلى انضمام السعودية إلى عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها اتفاقية مكافحة الاتجار بالبشر.
إلا أن هذه التصريحات اصطدمت بواقع مختلف على الأرض، حيث كشفت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عن وجود ما لا يقل عن تسعة أطفال قيد المحاكمة أو محكومين بالإعدام في السعودية، ثمانية منهم على خلفية تهم لا تُعد من الأشد خطورة وفق القانون الدولي. واعتبرت المنظمة أن هذه الأحكام تمثل انتهاكًا صارخًا للالتزامات الدولية التي تزعم السعودية الالتزام بها، وأن النظام القضائي يفتقر إلى الضمانات الأساسية لحماية حقوق القاصرين.
وأكدت المنظمة أن السلطات السعودية تصر على تنفيذ أحكام الإعدام بحق هؤلاء القاصرين رغم الإدانات والنداءات الدولية، مما يعكس استمرار استخدام القوانين المحلية كأدوات للقمع بدلًا من الحماية.
وفي سياق موازٍ، دخل الوفد السعودي في مواجهة حادة مع تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب، بن إيمرسون سول، والذي وجه انتقادات لسياسات المملكة في هذا المجال، لا سيما فيما يتعلق بغياب الشفافية والمشاركة العامة في صياغة القوانين، وفرض رقابة صارمة على حرية التعبير، حتى على مواطني الدول الأعضاء في “التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب” بقيادة السعودية.
وفي ردها، اعتبرت عائشة بقداح، عضوة الوفد السعودي، أن التقرير غير متوازن، وتجاهل معاناة ضحايا الإرهاب وذويهم، مشيرة إلى أن المملكة وضعت إطارًا قانونيًا متكاملًا لمكافحة الإرهاب مع احترام الحقوق الأساسية، وأنها تواصل التعاون مع شركائها الدوليين في هذا المجال.
لكن منظمات حقوقية اعتبرت تصريحات الوفد السعودي “ذرائع مكررة”، لافتة إلى أن القوانين السعودية الخاصة بمكافحة الإرهاب، وعلى رأسها قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، تُستخدم بانتظام لمعاقبة الناشطين والمعارضين، بل وفرض أحكام الإعدام عليهم، بما في ذلك قاصرون، في محاكمات تفتقر للعدالة والشفافية، وتُعقد أمام المحكمة الجزائية المتخصصة التي وُصفت بأنها “أداة لقمع المعارضة”.
وشددت تقارير حقوقية على أن السعودية ما زالت تستخدم خطاب مكافحة الإرهاب كغطاء لانتهاك الحريات، في تجاهل واضح للانتقادات الدولية التي تطال بنيتها القضائية وممارساتها الأمنية، ما يعمق الفجوة بين صورتها الرسمية في المحافل الدولية وواقعها الحقوقي الداخلي.