النظام السعودي يقود مشروعًا منهجيًا لتفريغ الهوية الإسلامية من مضمونها، وتحويل أرض الحرمين إلى منصة للعرض الفاضح والانحلال. من حفلات ليلية بملابس شبه عارية، إلى طقوس بوذية تُقام في قلب العُلا، تتكشف ملامح خطة تهدف إلى “إعادة تشكيل” المجتمع السعودي، لا عبر الإصلاح الحقيقي أو الحريات، بل من خلال الترفيه المستورد والممارسات المريبة باسم “الانفتاح”.
قائمة المحتوى
العُلا: من تراث إسلامي إلى طقوس بوذية
في مشهد غير مسبوق على أرض الجزيرة العربية، احتضنت العُلا فعاليات مستوحاة من طقوس بوذية بمناسبة “اكتمال القمر”. التجمّع حول النيران، حرق الأوراق بنية “تحرير الذات من الأعباء”، والمشاركة في طقوس تنقية الروح وفق العقائد البوذية والهندوسية، لم تُقابل باستهجان رسمي. بل العكس، جرت في العلن وبرعاية “سياحية” واضحة.
تسويق هذه الطقوس ليس سهوًا، بل توجه مدروس. ففي ظل تغييب الرموز الإسلامية، تُقدَّم رموز وثقافات غريبة باعتبارها “تجربة جديدة” للزوار، بينما الحقيقة أنها تشكّل إهانة واضحة لقيم الأمة وتاريخها.
جدة: منارة الإسلام تستقبل الفجور
حفلة جينيفر لوبيز الأخيرة في جدة، وبالتحديد قرب مكة المكرمة، ليست مجرد حفل غنائي. بل صفعة ثقافية تُوجَّه لملايين المسلمين الذين يعتبرون الحرمين رمزًا للطهارة. أن تُطلّ فنانة بملابس فاضحة على بعد 80 كيلومترًا من الكعبة، وتُقدَّم كنجمة افتتاح فعاليات الفورمولا 1، هو إمعان في استفزاز المشاعر الدينية، وتحدٍ سافر لحرمة المكان.
السلطات السعودية لا تكتفي بتنظيم هذه الفعاليات، بل تروّج لها على أنها “نقلة نوعية” في الترفيه. أي نقلة هذه التي تُجرّد المجتمع من ثوابته وتستورد كل مظاهر الانحلال باسم الفن؟
تبرير الانفتاح.. وصناعة التجهيل
الآلة الإعلامية التابعة للنظام تُصوّر هذه الممارسات كجزء من “رؤية التقدم”، بينما يتم تهميش أي نقد حقيقي أو دعوة لسياسات اقتصادية أو تعليمية فاعلة. يُراد للسعودي أن يلهث خلف الحفلات والعروض، بينما تغيب عنه أرقام البطالة، وأزمة السكن، والتضخم المتصاعد.
كل ذلك يجري تحت شعار “السياحة والاقتصاد البديل”، لكن لا عوائد حقيقية، ولا فرص عمل تُخلق، بل مزيد من العقود لشركات أجنبية تستنزف الميزانية وتُمعن في تحويل البلاد إلى سوق استهلاكي مفتوح لكل شيء ما عدا القيم.
الهدف الخفي: تطبيع الفساد وترويض الوعي
الترفيه المبتذل ليس فقط وسيلة لصرف الأنظار عن فشل اقتصادي، بل أداة سياسية لترويض المجتمع. بينما يُسمح لنجوم عالميين بعرض أجسادهم وأفكارهم على الشاشات، تُمنع الخُطب، ويُسجن الدعاة، وتُمنع الكتب.
يريد النظام السعودي خلق جيل لا يعرف من الإسلام سوى اسمه، ولا من القيم سوى ما يُعرض على الشاشات. شعب مُهمّش، يُقاد من الحفل إلى المهرجان، ومن المهرجان إلى المتجر، وكلما احتجّ أو طالب بحقه، قوبل بالقمع أو التهميش.
صورة السعودية أمام العالم: من أرض الرسالة إلى حلبة الفوضى
في الماضي، كانت المملكة تُقدَّم كقلب العالم الإسلامي، واليوم تُعرَف بأنها “الوجهة الجديدة للترفيه”. المسلمون حول العالم يُصابون بالذهول وهم يشاهدون مشاهد الراقصات، طقوس الديانات الأخرى، والموسيقى الصاخبة في أرض النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
علماء دين ومنظمات إسلامية حول العالم، مثل “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، وصفوا هذه الفعاليات بأنها “تطبيع للفساد الأخلاقي” و”تحقير لمعاني الحرم”. بل ذهب البعض إلى وصف ما يجري بأنه “علمنة بالقوة” يقودها ولي العهد، ليس لتحقيق التنمية، بل لتدمير ما تبقى من القيم.
مزيد من الانحدار: الترفيه بديلاً عن التنمية
في بلد يعاني من أزمات سكن، بطالة، وغياب الخدمات في القرى والمناطق الطرفية، يواصل النظام السعودي رمي المليارات على عروض الليزر، الحفلات الصاخبة، واستقدام فنانين عالميين. هذا التوجه لا يحل مشاكل المواطن، بل يزيد من الهوة بين الشعب والنظام، ويكرّس ثقافة استهلاكية خالية من أي مضمون معرفي أو تنموي.
لا توجد استثمارات حقيقية في البحث العلمي، ولا مبادرات كبرى للتعليم أو الزراعة أو الصناعة، بينما تقام مهرجانات الموسيقى في كل مدينة، ويُنفق على مهرجان “ميدل بيست” أكثر مما يُنفق على تطوير الجامعات.
حين تُسحق القيم باسم الحداثة
ما يحدث في السعودية لا يُسمى انفتاحًا، بل هدمًا منظمًا للقيم تحت راية الترفيه. من يُدافع عن هذه السياسات، يُسوّق للجهل والانهيار الأخلاقي، لا للتقدم. حفلات جينيفر لوبيز، طقوس البوذية، وأكوام المال المهدور ليست تنمية، بل غطاء لسلطة تفشل في الإصلاح، وتنجح فقط في إلهاء شعبها.
وليسأل كل منصف نفسه: هل صارت بلاد الحرمين بحاجة لحفلات وطقوس دخيلة كي تنهض؟ أم أن النهضة تبدأ من العلم، من العدالة، من إطلاق سراح السجناء، ومن احترام دين الأمة بدل تسويقه كتراث سياحي قابل للاستبدال؟