تشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحولات ثقافية واجتماعية لافتة، ضمن إطار “رؤية 2030” التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، والتي تهدف – بحسب التصريحات الرسمية – إلى تنويع مصادر الدخل وفتح المملكة على العالم. إلا أن هذه التحولات باتت تثير جدلاً واسعًا داخل المملكة وخارجها، خصوصًا فيما يتعلق بتبدل ملامح الفضاء العام وممارسات دينية وثقافية غير مألوفة في بلاد الحرمين.
قائمة المحتوى
مظاهر انفتاح مثيرة للجدل في مدينة العلا
في مدينة العلا، إحدى أبرز الوجهات السياحية التي تسوّقها الحكومة ضمن مشاريعها الجديدة، انتشرت فعاليات اعتُبرت صادمة من قبل قطاعات واسعة من المجتمع، أبرزها:
- تنظيم مناسبات لليوغا تحمل مفاهيم وصفها ناشطون بـ”الشركية”، ومخصصة لفئات عمرية تبدأ من 12 عامًا.
- إقامة طقوس بوذية علنية بمناسبة “اكتمال القمر”، تضمنت طقوسًا مثل إشعال النيران، والتأمل الجماعي، وكتابة أوراق رمزية لما يُعرف بـ”تحرير الذات من الأعباء”، وهي ممارسات دينية لها جذور في معتقدات شرق آسيوية.
هذه الفعاليات تأتي في إطار جذب السياحة الدولية، لكنها أثارت تساؤلات حول مدى توافقها مع هوية المملكة الدينية والثقافية.
حفلات فنية واتهامات بـ”تطبيع الخلاعة”
وفي سياق مشابه، تكررت الاستعانة بفنانين عالميين لإحياء حفلات موسيقية ضخمة، من بينهم المغنية الأمريكية جينيفر لوبيز، التي عادت مؤخرًا للغناء في جدة، بعد حفلات سابقة أثارت ضجة واسعة بسبب ملابسها وطبيعة عروضها التي وُصفت بأنها “مخالفة لقيم المجتمع السعودي”.
الفيديوهات المتداولة من حفلها الأخير أظهرت ارتداءها ملابس ضيقة للغاية، ما أثار موجة استياء في الأوساط الاجتماعية والإعلامية، وسط انتقادات بأن ذلك يتعارض مع قدسية المكان، خاصةً أن جدة لا تبعد كثيرًا عن مكة المكرمة.
الصحف الأجنبية، من بينها صحيفة ماركا الإسبانية، رصدت تفاعل الجمهور السعودي، حيث ظهر بعض الحضور يتجنبون النظر إلى العرض، مفضلين استخدام هواتفهم أو مغادرة المكان.
رموز دينية مثيرة في فعاليات رياضية
لم تقتصر مظاهر الجدل على الفعاليات الفنية، بل امتدت إلى الساحة الرياضية، حيث أثار الملاكم الأوكراني أولكسندر أوسيك جدلاً واسعًا خلال مشاركته في موسم الرياض. إذ علّق في غرفته أعلامًا تحمل رموزًا دينية مسيحية، منها صورة للسيد المسيح، وعَبارات مثل “يسوع معنا” و”مخلصنا”، إضافة إلى راية كتب عليها: “الأرثوذكسية أو الموت”، وهي راية ذات أصول تاريخية تعود إلى الحرب ضد الدولة العثمانية، وتحمل دلالات قومية ودينية حادة.
كما ظهرت على ملابسه الرياضية رموز مختصرة تُشير إلى يسوع الناصري كملك لليهود، في خطوة اعتبرها كثيرون استفزازية وغير ملائمة للبيئة الدينية في المملكة.
انفتاح اقتصادي أم تفكك في المرجعية؟
- السياسات الجديدة في السعودية تعكس توجهاً واضحاً نحو إعادة تشكيل الفضاء العام، لكنه يثير في الوقت نفسه جدلًا واسعًا بشأن ما إذا كانت هذه الخطوات تراعي الحساسية الثقافية والدينية لمجتمعٍ اعتاد لسنوات طويلة على أنماط محافظة.
- يرى بعض المراقبين أن ما يجري هو تحول منضبط ومدروس ضمن رؤية تحديثية اقتصادية، في حين يعتبره آخرون مسارًا متسارعًا وغير متوازن قد يؤدي إلى تصدعات في الهوية الثقافية والدينية للبلاد.
- في المقابل، فإن تكرار الأحداث التي تثير حفيظة قطاعات واسعة من المواطنين قد يدفع نحو زيادة التوتر بين السلطة والمجتمع التقليدي، ما لم تُدار هذه التغيرات بحساسية وتدرّج.