في مشهد يعيد إلى الأذهان أبشع فصول القمع الرسمي في التاريخ الحديث، تواصل السلطات السعودية تنفيذ الإعدامات بمعدلات صادمة. مئة حكم إعدام خلال أربعة أشهر فقط من عام 2025، بواقع إعدام كل يوم ونصف، تكشف عن أن النظام السعودي قد رفع شعار الدم شعارًا لإدارة الداخل، مستخدمًا القضاء سيفًا مسلطًا على رقاب معارضيه ومواطنيه والأجانب على حد سواء.
هذا التصعيد الدموي الجديد لا يُقرأ بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي، بل هو استمرار لنهج استخدام الإعدام كأداة للترهيب السياسي والاجتماعي، متجاهلًا كافة الانتقادات الدولية، وضاربًا عرض الحائط بكل وعود الإصلاح القانوني والحقوقي التي تلاعب بها النظام في الإعلام سنوات طويلة.
قائمة المحتوى
العام الدموي: نحو تحطيم الأرقام القياسية في القتل الرسمي
المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان دقت ناقوس الخطر معلنة أن الأرقام الحالية تنذر بأن عام 2025 قد يتجاوز في قسوته الدموية عام 2024، الذي كان بدوره واحدًا من أكثر الأعوام وحشية في تاريخ البلاد.
أن يتم تنفيذ هذا الكم من الإعدامات في الثلث الأول من العام فقط لم يحدث إلا في سنوات شهدت مجازر جماعية أو تصعيدًا غير مسبوقًا في سياسات القمع. والأخطر أن 70% من هذه الإعدامات نُفذت بناءً على تهم لا تندرج ضمن “أشد الجرائم خطورة” بحسب المعايير الدولية، مما يعري تمامًا ذرائع النظام التي يدعي فيها أنه يحترم القانون الدولي أو يتقيد بحدوده.
الإعدام بتهم هشة: من الحشيش إلى السياسة
وفقًا لبيانات المنظمة، تشكل قضايا المخدرات والتهم السياسية 70% من مجموع الإعدامات.
من بين هؤلاء، تم إعدام 20 شخصًا بسبب اتهامات تتعلق بالحشيش فقط، وهو أمر يبرز إلى أي مدى أصبحت العقوبة القصوى تُستخدم بوحشية حتى في القضايا التي لا تتطلب، بحسب المعايير الدولية، أي عقوبة إعدام أصلاً.
وتبرز الأرقام أن نسبة الأجانب الذين أُعدموا بلغت 43%، بما يشير إلى استسهال خاص في تنفيذ الإعدامات على العمالة الوافدة، التي غالبًا ما تُحرم من أبسط ضمانات المحاكمة العادلة.
غياب الشفافية.. قضايا مخفية وأحكام مجهولة
منظمة حقوقام السياسي: القمع باسم القانون
من بين 100 إعدام منفذ خلال أربعة أشهر، تم تنفيذ 11 إعدامًا بناءً على تهم سياسية، مثل “الانضمام لتنظيمات محظورة” أو “التخابر” أو “استهداف رجال أمن”، وهي تهم غالبًا ما تُستخدم غطاءً قانونيًا لتصفية الخصوم والمعارضين السياسيين.
وفي أربع قضايا على الأقل، لم يتم تحديد نوع الحكم أو المحكمة، ما يعكس التلاعب المستمر الذي يمارسه النظام لتغطية جرائمه وتجنب أي مساءلة داخلية أو دولية.
وعود الإصلاح.. كذب موثق بالدماء
في فبراير 2021، أعلن محمد بن سلمان عن ما سُمي بـ”مشروع إصلاح البيئة التشريعية”، متعهدًا بتقنين الأحكام وتقييد العقوبات القصوى. لكن كل الوقائع تثبت أن هذه الوعود لم تكن سوى دعاية فارغة:
- الأحكام التعزيرية (التي تُترك لتقدير القاضي) شكلت 64% من مجموع الإعدامات.
- التفسير المتشدد والنادر للقوانين مستمر، ما يعني مزيدًا من الإعدامات بمبررات هشة.
كل هذا يجري بينما تزداد عزلة المملكة دوليًا، وتتصاعد الانتقادات الحقوقية، دون أن تبدي الرياض أي نية حقيقية لكبح جماح هذه الآلة القمعية الدموية.
إعدام كل يوم ونصف… نظام لا يعرف إلا الدم
ما يحدث اليوم في السعودية ليس حملة عدلية ضد الجريمة، بل هو حملة سياسية ممنهجة لسحق أي مظاهر معارضة، وإرسال رسائل رعب إلى الداخل والخارج.
تنفيذ 100 حكم إعدام خلال أربعة أشهر فقط يعني أن المملكة تتجه نحو عام دموي غير مسبوق، سيكون عنوانه الأبرز: الدم مقابل الصمت.
والسؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم بقوة: كم روحًا يجب أن تُزهق قبل أن يدرك العالم أن الصمت على هذه الجرائم لم يعد مقبولاً؟ ومتى تحاسب الشعوب والأمم نظامًا جعل من الإعدام وسيلته اليومية للحكم؟